حلمي الاسمر
ما السبب الذي منع تنظيم «داعش» من استهداف الأردن، مع أنه ضرب جيرانه وأماكن أبعد منه؟ كان هذا السؤال موضع التقرير الذي نشره موقع مجلة «فورين أفيرز» للصحفي آرون ماغيد، وترجمته صحيفة «عربي 21» الإلكترونية اللندنية، وهو تقرير على جانب كبير من الأهمية، ليس لأنه يتميز بواقعيته وتشخيصه الدقيق للمشهد فحسب، بل لأن ما جاء فيه ضروري أيضا لرسم خطوط السياسة التي يتعين على الأردن انتهاجها، لديمومة خروجه سالما من النيران التي تشتعل من حوله، كما أنه يعطي مؤشرات على جانب كبير من الأهمية لعناصر القوة التي يمتلكها الأردن، لتعظيمها وتقويتها، كما هو شأن عناصر الضعف، التي يجب أن ينتبه إليها صناع القرار، لتعزيزها، وصولا إلى بر الأمان. طبعا لدى الأردنيين كلهم أو جلهم، مليون سبب للنقمة على سياسات بلادهم، فهم يتمتعون بسقف عال من الحرية، رغم التضييق وخنق الرأي الآخر في أحايين كثيرة، ولكن مع هذا على هؤلاء «الناقمين» أن ينظروا بعينين اثنتين إلى المشهد، وإن كان من حقهم أن يحلموا ببلد أفضل، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية بالغة القسوة، تزداد قسوتها مع استفحال سياسة الجباية التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة! يقول كاتب التقرير»في النظرة الأولية، يبدو الأردن الهدف الرئيسي لما يطلق عليها الدولة الإسلامية، فقد ضرب تنظيم الدولة جيران الأردن كلهم»، مشيرا إلى أنه في أيار/ مايو 2015، نفذ التنظيم هجوما دمويا في مسجد في السعودية، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، ضرب طائرة روسية في مصر، وضرب التنظيم في العراق مركز تسوق في كانون الثاني/ يناير 2016، واستهدف قوات النظام لأكثر من عامين. ومنذ عام 2014 قتل تنظيم الدولة أكثر من 18 ألف عراقي، وفي عام 2015 قتل حوالي ألفي سوري، ويخلص في النهاية إلى حصر أسباب نجاة الأردن من التنظيم، فيما يلي: أولا/ قوة أجهزته الأمنية التي تعد الثامنة في العالم، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار، وتمكين المواطن من الشعور التام بالأمن، ومنع أي عابث خارجي من مجرد التفكير في مس البلد، وتهديد أمنه.. ثانيا/ مجمل السياسات الرسمية التي استوعبت الآثار المترتبة على ثورات الربيع العربي، والتماهي معها على نحو آخر، وهضم مطالب الناس، ولو جزئيا، وتجنيب البلد مخاطر سفك الدماء، والتعامل بخشونة مع المعارضين، وهي سياسة ثبتت نجاعتها في عدم تطور الاحتجاجات وتعاظمها، ووضع سقف لها تتركز في شعار «الإصلاح داخل النظام» لا خارجه والانقلاب عليه، الأمر الذي وفر حدا معقولا من السلم الاجتماعي، وعدم انزلاق البلد إلى ما انزلقت إليه بلاد أخرى، هيأت الظروف لعبث التنظيم فيها، وللحفاظ على هذا المنجز لا بد من رد العرفان لمن ساهم في ترسيخ هذه السياسة، بتجنب القرارات والسلوكيات التي يمكن إدراجها تحت بند «الإنتقام» من الربيع وأهله، وتصفية الحسابات معهم. ثالثا/ وقوف رموز من السلفية الجهادية ضد تنظيم داعش، وانحرافاته الفقهية، ومعارضة نهجة على قاعدة «شرعية» ناهيك عن جريمته البشعة في حرق الطيار المرحوم معاذ الكساسبة، الأمر الذي رفع نسبة من يعارض التنظيم في صفوف الشعب واعتباره تنظيما إرهابيا من 72% إلى 95% . إلى ذلك، يسلط التقرير الضوء على دور جماعة الإخوان المسلمين في منع انتشار التأييد لتنظيم داعش بين صفوف الشباب، وهو أمر يستدعي عدم التحرش بالجماعة، وإرباكها بالإنقسامات والانشقاقات بل يجب إبقاؤها قادرة على حفظ التوازن في المجتمع، ودورها في تعميق التفكير الوسطي، ومحاربة الشطط المفضي إلى التطرف. الباب السياسي المفتوح نسبيا هو المفتاح الذي منع هجمات الإرهاب، هذه هي خلاصة التقرير، الذي يتعين على الجميع أن يقرأه بتمعن، وصولا إلى أردن مستقر وآمن بشكل دائم